فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزهري: كل ما اتكىء عليه فهو أريكة، وقال ابن عباس: لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فإن كان سرير بغير حجلة لا تكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة فالسرير والحجلة أريكة.
وفي حادي الأرواح لا تكون أريكة إلا أن يكون السرير في الحجلة وأن يكن على السرير فراش، وفي الصحاح الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت، وقال الراغب: الأريكة حجلة على سرير والجمع أرائك، وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجر معروف أو لكونها مكانًا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات.
وبالجملة إن كلام الأكثرين يدل على أن السرير وحده لا يسمى أريكة نعم يقال للمتكىء على أريكة متكىء على سرير فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} [الطور: 20] لجواز أن تكون في السرر في الحجال فتكون أرائك، ويجوز أن يقال: إن أهل الجنة تارة يتكئون على الأرائك وأخرى يتكئون على السرر التي ليست بارائك، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ورد في وصف سررهم رزقنا الله تعالى وإياكم الجلوس على هاتيك السرر والاتكاء مع الأزواج على الأرائك، والظاهر أن المراد بالأزواج أزواجهم المؤمنات اللاتي كن لهم في الدنيا، وقيل أزواجهم اللاتي متن ولم يتزوجن في الدنيا فزوجهن الله تعالى في الجنة من شاء من عباده بل الأعم من ذلك كله ومن المؤمنات اللاتي تزوجن في الدنيا بأزواج ماتوا كفارًا فأدخلوا النار مخلدين فيها وأدخلن الجنة كامرأة فرعون فقد جاء في الأخبار أنها تكون زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم وجوز أن يكون المراد بأزواجهم أشكالهم في الإحسان وأمثالهم في الايمان كما قال سبحانه: {وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أزواج} [ص: 85] وقريب منه ما قيل المراد به أخلاؤهم كما في قوله تعالى: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وأزواجهم} [الصافات: 22] وقيل يجوز أن يراد به ما يعم الاشكال والإخلاء ومن سمعت أولًا، وأنت تعلم بعد إرادة ذلك وكذا إرادة الاشكال أو الإخلاء بالخصوص.
{لَهُمْ فِيهَا فاكهة} بيان لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب وما يتلذذون به من الملاذ الجسماني والروحانية بعد بيان ما لهم فيها من مجالس الإنس ومحافل القدس تكميلًا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة كذا قيل، ويجوز أن يكون استئنافًا بيانيًا وقع جواب سؤال نشأ مما يدل عليه الكلام السابق من اشتغالهم بالإنس واتكائهم على الأراشك عدم تعاطيهم أسباب المأكل والمشرب فكأنه قيل: إذا كان حالهم ما ذكر فكيف يصنعون في أمر مأكلهم؟ فأجيب بقوله سبحانه: {لَهُمْ فِيهَا فاكهة} وهو مشير إلى أن لهم من المأكل ما لهم على أتم وجه، وأفيد أن فيه إشارة إلى أنه لا جوع هناك وليس الأكل لدفع ألم الجوع وإنما مأكولهم فاكهة ولو كان لحمًا، والتنوين للتفخيم أي فاكهة جليلة الشأن، وفي قوله سبحانه: {لَهُمْ فِيهَا فاكهة} دون يأكلون فيها فاكهة إشارة إلى كون زمام الاختيار بأيديهم وكونهم مالكين قادرين فإن شاؤا أكلوا وإن شاؤا أمسكوا.
{وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} أي ما يدعون به لأنفسهم أي لهم كل ما يطلبه أحد لنفسه لا أنهم يطلبون فإنه حاصل كما إذا سألك أحد فقلت: لك ذلك تعني فلم تطلب أو لهم ما يطلبون بالفعل على أن هناك طلبًا وإجابة لأن الغبطة بالإجابة توجب اللذة بالطلب فإنه مرتبة سنية لاسيما والمطلوب منه والمجيب هو الله تعالى الملك الجيل جل جلاله وعم نواله، فيدعون من الدعاء بمعنى الطلب، وأصله يد تعيون على وزن يفتعلون سكنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وقيل: بل ضمت العين لأجل واو الجمع ولم يلق حركة الياء عليها وإنما حذفت استثقالًا ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار يدتعون فقلبت التاء دالًا وأدغمت، وافتعل بمعنى فعل الثلاثي كثير ومنه اشتوى بمعنى شوى واجتمل بمعنى جمل أي أذاب الشحم.
قال لبيد:
فاشتوى ليلة ريح واجتمل

و{لَهُمْ} خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وهي موصولة والجملة بعدها صلة والعائد محذوف وهو إضما ضمير مجرور أو ضمير منصوب على الحذف والإيصال، وجوز أن تكون منا نكرة موصوفة وأن تكون مصدرية فالمصدر حينئذ مبتدأ وهو خلاف الظاهر، والجملة عطف على الجملة قبلها، وعدم الاكتفاء بعطف {مَا} على {فاكهة} لئلا يتوهم كونها عبارة عن توابع الفاكهة ومتمماتها.
وجوز أن يكون {يَدَّعُونَ} من الافتعال بمعنى التفاعل كارتموه بمعنى تراموه أي لهم ما يتداعون، والمعنى كل ما يصح أن يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم أو ما يطلبه بعضهم من بعض بالفعل لما في ذلك من التحاب، وأن يكون من الافتعال على ما سمعت أولًا إلا أن الادعاء بمعنى التمني.
قال أبو عبيدة: العرب تقول ادع على ما شئت بمعنى تمن على، وتقول فلان في خير ما ادعى أي تمني أي لهم ما يتمنون، قال الزجاج: وهو مأخوذ من الدعاء أي كل ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم، وقيل: افتعل بمعنى فعل فيدعون بمعنى يدعون من الدعاء بمعناه المشهور أي لهم ما كان يدعون به الله عز وجل في الدنيا من الجنة ودرجاتها.
{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}.
{سلام} جوز أن يكون بدلًا من {ما} [يس: 57] بدل بعض من كل ولزوم الضمير غير مسلم، وقوله تعالى: {قَوْلًا} مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة صفة لاسمًا، وقوله تعالى: {مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} صفة {قَوْلًا} أي سلام يقال لهم قولًا من جهة رب رحيم أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيمًا لهم.
فقد أخرج ابن ماجه وجماعة عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرعوا رؤسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قول الله تعالى: {سَلاَمٌ قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} قال فينظر إليه وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم» وقيل بواسطة الملائكة عليهم السلام لقوله تعالى: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 23، 24] وروى ذلك عن ابن عباس وعلى الأول الأكثرون، وأما ما قيل إن ذلك سلام الملائكة على المؤمنين عند الموت فليس بشيء، والبدلية المذكورة مبنية على أن ما عامة.
وجوز أن يكون بدل كل من كل على تقدير أن يراد بها خاص أو على ادعاء الاتحاد تعظيمًا، ولا بأس في إبدال هذه النكرة منها على تقدير موصوليتها لأنها نكرة موصوفة بالجملة بعدها، على أنه يجوز أن يلتزم جواز إبدال النكرة من المعرفة مطلقًا من غير قبح.
ويجوز أن يكون {سلام} خبر مبتدأ محذوف والجملة بعده صفته أي هو أو ذلك سلام يقال قولًا من رب رحيم، والضمير لما وكذا الإشارة، وجوز أن يكون صفة لما أي لهم ما يدعون سالم أو ذو سلامة مما يكره، و{قَوْلًا} مصدر مؤكد لقوله تعالى: {لَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} [يس: 75] سلام أي عدة من رب رحيم، وهذه الوصفية على تقدير كون ما نكر موصوفة ولا يصح على تقدير كونها موصولة للتخالف تعريفًا وتنكيرًا وأن يكون خبرًا لما، و{لَهُمْ} متعلق به لبيان الجهة كما يقال لزيد الشرف متوفر أي ما يدعون سالم لهم خالص لا شوب فيه، ونصب {قَوْلًا} على ما سمعت آنفًا.
وفي الكشاف الأوجه أن ينتصب على الاختصاص وهو من محازه فيكون الكلام جملة مفصولة عما سبق ولا ضير في نصب النكرة على ذلك، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي ولهم سلام يقال قولًا من رب رحيم، وقد الخبر مقدمًا لتكون الجملة على أسلوب أخواتها لا ليسوغ الابتداء بالنكرة فإن النكرة موصوفة بالجملة بعدها، وظاهر كلامهم تقدير العاطف أيضًا ويمكن أن لا يقدر، وفصل الجملة على ما قيل لأنها كالتعليل لما تضمنته لآي قبلها فإن سلام الرب الرحيم منشأ كل تعظيم وتكريم، وجوز على تقدير كونه مبتدأ تقدير الخبر المحذوف عليهم؛ قال الإمام: فيكون ذلك إخبارًا من الله تعالى في الدنيا كأنه سبحانه حكى لنا وقال جل شأنه:
{إِنَّ أصحاب اليوم في شُغُلٍ} [يس: 55] ثم لما كمل بيان حالهم قال: {سلام عَلَيْهِمْ} وهذا كما قال سبحانه: {سلام على نُوحٍ} [الصافات: 79] {وسلام على المرسلين} [الصافات: 181] فيكون جل وعلا قد أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين ثم قال: وهذا وجه مبتكر جيد ما يدل عليه فنقول: أو نقول تقديره سلام عليكم ويكون هذا نوعًا من الالتفات حيث قال تعالى لهم كذا وكذا ثم قال سبحانه: {سلام عَلَيْكُمُ}. اهـ.
ووجه الابتداء بسلام في مثل هذا التركيب موصوفًا كان أم لا معروف عند أصاغر الطلبة.
وقرأ محمد بن كعب القرظي {سلام} بكسر السين وسكون اللام ومعناه سلام.
وقال أبو الفضل الرازي: مسالم لهم أي ذلك مسالم وليس بذاك.
وقرأ أبي وعبد الله وعيسى والغنوي {سَلاَمًا} بالنصب على المصدر أي يسلم عليهم سلامًا أو على الحال من ضمير ما في الخبر أو منها على القول بجواز مجيء من المبتدأ أي ولهم مرادهم خالصًا.
{وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} أي انفردوا عن المؤمنين إلى مصيركم من النار.
وأخرج عبد بن حميد وغيره عن قتادة أي اعتزلوا عن كل خير، وعن الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أي على خلاف ما للمؤمنين من الاجتماع مع من يحبون، ولعل هذا بعد زمان من أول دخولهم فلا ينافي عتاب بعضهم بعضًا الوارد في آيات أخر كقوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ في النار} [غافر: 47] ويحتمل أنه أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى، وجوز الإمام كون الأمر أمر تكيون كما في {كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] على معنى أن الله تعالى يقول لهم ذلك فتظهر عليهم سيماء يعرفون بها كما قال سبحانه: {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41] ولا يخفى بعده، والجملة عطفًا ما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أصحاب الجنة من عطف القصة على القصة فلا يضر التخالف إنشائية وخبرية، وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما، وإما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أصحاب الجنة كأنه قيل إثر بيان كونهم في شغل عظيم الشأن وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم أيها المجرمون. قاله أبو السعود، وقال الخفاجي: يجوز أن يكون بتقدير ويقال امتازا على أنه معطوف على يقال المقدر العامل في {قولا} [يس: 58] وهو أقرب وأقل تكلفًا لأن حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدث عنه ولا حرج، وفيه بحث يظهر بأدنى تأمل، وقيل: إن المذكور من قوله تعالى: {إِنَّ أصحاب الجنة} [يس: 55] إلى هنا تفصيل للمجمل السابق أعني قوله تعالى: {وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 54] وبني عليه أن المعطوف عليه متضمن لمعنى الطلب على معنى فليمتز المؤمنون عنكم يا أهل المحشر إلى الجنة وامتازوا عنهم إلى النار، وتعقبه في الكشف بأنه ليس بظاهر إذ بأحد الأمرين غنية عن الآخر ثم قال: والوجه أن المقصود عطف جملة قصة أصحاب النار على جملة قصة أصحاب الجنة وأوثرها هنا الطلب زيادة للتهويل والتعنيف ألا ترى إلى قوله تعالى: {اصلوها اليوم} [يس: 64] وإن كان لابد من التضمين فالمعطوف أولى بأن يجعل في معنى الخبر على المعنى وأن المجرمون ممتازون منفردون.
وفائدة العدول ما في الخطاب والطلب من النكتة. اهـ.
وما ذكره من حديث إغناء أحد الأمرين عن الآخر سهل لكون الأمر تقديريًا مع أن الامتياز الأول على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد فيفيد كل منهما ما لا يفيده الآخر، نعم قال العلامة أبو السعود في ذلك: إن اعتبار فليمتز المؤمنون وإضماره بمعزل عن السداد لما أن المحكى عنهم ليس مصيرهم إلى ما ذكر من الحال المرضية حتى يتسنى ترتيب الأمر المذكور عليه بل إنما هو استقرارهم عليها بالفعل، وكون ذلك تنزيل المترقب منزلة الواقع لا يجدي نفعًا لأن مناط الاعتبار والإضمار انسياق الافهام إليه وانصباب نظم الكلام عليه فبعد التنزيل المذكور وإسقاط الترقب عن درجة الاعتبار يكون التصدي لاضمار شيء يتعلق به إخراجًا للنظم الكريم عن الجزالة بالمرة، والظاهر أنه لا فرق في هذا بين التضمين والإضمار، والذي يغلب على الظن أن ما ذكر لا يفيد أكثر من أولوية تقدير فليقروا عينًا على تقدير فليمتازوا فليفهم، وقال بعض الأذكياء: يجوز أن يكون {امتازوا} فعلًا ماضيًا والضمير للمؤمنين أي انفرد المؤمنون عنكم بالفوز بالجنة ونعيمها أيها المجرمون ففيه تحسير لهم والعطف حينئذ من عطف الفعلية الخبرية على الاسمية الخبرية ولا منع منه، وتعقب بأنه مع ما فيه من المخالفة للأسلوب المعروف من وقوع النداء مع الأمر نحو {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} [يوسف: 29] قليل الجدوى وما ذكره من التحسير يكفي فيه ما قبل من ذكر ما هم عليه من التنعم وأيضًا للمأثور يأبى عنه غاية الإباء وهو كالنص في أن {امتازوا} فعل أمر ولا يكاد يخطر لقارىء ذلك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)}.
إن كان قوله تعالى: {هذا ما وعَدَ الرحمن} [يس: 52] حكاية لكلام الكفار يوم البعث كان هذا كلامًا من قبل الله تعالى بواسطة الملائكة وكانت الفاء في قوله: {فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ شَيْئًا} فاء فصيحة وهي التي تفصح وتنبىء عن كلام مقدّر نشأ عن قوله: {فإذا هم جميع لدينا محضرون} [يس: 53] فهو خطاب للذين قالوا: {من بعثنا من مرقدنا} [يس: 52].
والمعنى: فقد أيقنتم أن وعد الله حق وأن الرسل صدقوا فاليوم يوم الجزاء كما كان الرسل ينذرونكم.
وإن كان قوله: {هذا ما وعَدَ الرحمن} [يس: 52] من كلام الملائكة كانت الفاء تفريعًا عليه وكانت جملة {إن كانَتْ إلاَّ صيحَةً واحِدَةً} [يس: 53] الخ معترضة بين المفرع والمفرع عليه.
و{اليوم} ظرف وتعريفه للعهد، وهو عهد حضور يعني يوم الجزاء.
وفائدة ذكر التنويه بذلك اليوم بأنه يوم العدل.
وأشعر قوله: {لا تُظلم نفسٌ شيئًا} بالتعريض بأنهم سيلقون جزاء قاسيًا لكنه عادل لا ظلم فيه لأن نفي الظلم يشعر بأن الجزاء مما يُخال أنه متجاوز معادَلَةَ الجريمة، وهو معنى {ولاَ تُجْزونَ إلاَّ ما كنتم تعملون} أي إلا على وفاق ما كنتم تعملون وعلى مقداره.
وانتصب {شيئًا} على المفعول المطلق، أي شيئًا من الظلم.
ووقوع {نَفْسٌ} و{شَيْئًا} وهما نكرتان في سياق النفي يعمّ انتفاء كل ذلك عن كل نفس وانتفاء كل شيء من حقيقة الظلم وذلك يعمّ جميع الأنفس.
ولكن المقصود أنفس المعاقَبين، أي أن جزاءهم على حسب سيّئاتهم جزاء عادل.
وإذ قد كان تقديره من الله تعالى وهو العليم بكل شيء كانت حقيقة العدل محققة في مقدار جزائهم إذ كلّ عدل غير عدل الله معرض للزيادة والنقصان في نفس الأمر ولكنه يجري على حسب اجتهاد الحاكمين، والله لم يكلف الحاكم إلاّ ببذل جهده في إصابة الحق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد».
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)}.
هذا من الكلام الذي يُلْقى من الملائكة، والجملة مستأنفة، وهذا مما يقال لمن حق عليهم العذاب إعلامًا لهم بنزول مرتبتهم عن مراتب أهل الجنة إعلانًا بالحقائق لأن ذلك عالم الحقائق وإدخالًا للندامة عليهم على ما فرطوا فيه من طلب الفوز في الآخرة.
وهذا يؤذن بأن أهل الجنة عجل بهم إلى النعيم قبل أن يبعث إلى النار أهلها، وأن أهل الجنة غير حاضرين ذلك المحضر.